post-thumb

28-01-2025

في قلب سوريا، تتربع مدينة حماة كواحدة من أقدم المدن التي تحمل في طياتها عبق التاريخ وجمال الطبيعة. وبينما ينساب نهر العاصي بهدوء عبرها، تتلألأ نواعير حماة كأيقونات خشبية شاهدة على حضارة عريقة وإبداع بشري خالص. هذه التحف الهندسية الفريدة ليست مجرد آلات تدور؛ بل هي دعوة مفتوحة لكل من يبحث عن الجمال والتاريخ لزيارة حماة واستكشاف أسرار نواعيرها. تعالوا لتشاهدوا بأعينكم كيف يدور الزمن مع دوران النواعير، وكيف يتجلى عبق الماضي بين نهر العاصي وصوت خشبها العريق.

ما هي النواعير؟

النواعير هي أجهزة ميكانيكية خشبية عملاقة تُستخدم لرفع المياه من الأنهار إلى مستويات أعلى، تعتمد في تشغيلها على قوة تدفق المياه في الأنهار دون الحاجة إلى أي مصدر طاقة إضافي. صُممت النواعير على هيئة عجلات ضخمة تحتوي على صناديق خشبية صغيرة مثبتة على محيطها، تقوم بنقل المياه أثناء دورانها. كما أنها تُصنع بشكل أساسي من خشب الجوز المعروف بصلابته ومقاومته للماء.

يعود اسم "الناعورة" إلى صوتها المميز الناتج عن احتكاك أجزائها الخشبية أثناء الدوران، وهو صوت يشبه "النوح" أو "الأنين".
 نواعير حماة

نواعير حماة: عجائب خشبية تروي الحكايات

تُعد نواعير حماة من أفضل 10 معالم سياحية في سوريا. حيث يبلغ عددها حوالي 17 ناعورة، تتوزع على ضفاف نهر العاصي لتشكل مشهداً فريداً يمزج بين الطبيعة والإبداع البشري. من أشهر هذه النواعير: ناعورة المحمدية، التي تُعد الأكبر حجماً، وناعورة الكيلانية وناعورة الجسرية، ولكل منها قصتها وميزتها الخاصة.

لعبت النواعير دوراً حيوياً في حياة سكان مدينة حماة على مر العصور. كانت تُستخدم كوسيلة رئيسية لتوفير المياه لري الحقول والبساتين المحيطة بنهر العاصي، مما ساهم في ازدهار الزراعة وزيادة الإنتاج الزراعي. علاوة على ذلك، أصبحت النواعير رمزاً للحضارة والهندسة المائية، حيث مثّلت حلاً مبتكراً لمشكلة شح المياه في المناطق المرتفعة.

كانت النواعير جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لأهالي حماة، فهي لم تكن مجرد أداة لنقل المياه، بل كانت مركزاً اجتماعياً وثقافياً. اعتاد السكان على التجمع بالقرب من النواعير، حيث كانت تُشكل ملتقى للأحاديث والتواصل الاجتماعي.

نواعير حماة

نواعير حماة: أسطورة ثقافية وسحر سياحي

تمثل نواعير حماة رمزاً ثقافياً عريقاً يعكس هوية المدينة وارتباطها العميق بالتاريخ والطبيعة. على مر العصور، ارتبطت النواعير بالتراث الشعبي والفلكلور المحلي، حيث ألهمت الشعراء والفنانين لتخليدها في قصائدهم ولوحاتهم. ويُعد صوت دوران النواعير، الذي ينساب برفق في أرجاء المدينة، جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية لسكان حماة وزوارها.

إلى جانب قيمتها الثقافية، تُعد النواعير مقصداً سياحياً بارزاً، حيث يتوافد الزوار من مختلف أنحاء العالم لاكتشاف هذا المعلم الفريد والاستمتاع بجماله. مشهد النواعير وهي تدور برشاقة فوق نهر العاصي يُشكل لوحة فنية تأسر الألباب، خاصة عند غروب الشمس. كما تُقام حولها العديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية التي تحتفي بتراث المدينة وتسلط الضوء على أهميتها التاريخية.

بهذا، تجمع النواعير بين كونها إرثاً ثقافياً حياً ورمزاً سياحياً يساهم في تعزيز مكانة حماة كوجهة فريدة تمزج بين الأصالة والجمال.

نواعير حماة

ما الذي يجعل نواعير حماة فريدة من نوعها؟

النواعير كأدوات ري قديمة لم تقتصر على مدينة حماة وحدها، بل وُجدت في مناطق عدة حول العالم، خاصة في الحضارات التي اعتمدت على الأنهار كمصدر رئيسي للمياه. ظهرت النواعير في بلاد ما بين النهرين، ووُجدت أمثلة مشابهة في مصر القديمة، والصين، وأوروبا، خاصة في إسبانيا وإيطاليا. ومع ذلك، اشتهرت مدينة حماة السورية بهذه التحفة الهندسية بشكل خاص، لعدة أسباب.

أولاً، يتدفق نهر العاصي عبر مدينة حماة في مسار منخفض نسبياً عن المناطق المحيطة، مما جعل الحاجة لنقل المياه إلى الأراضي الزراعية المرتفعة أمراً حيوياً. النواعير كانت الحل المثالي لهذه المشكلة، حيث صُممت بشكل يتناسب مع تدفق النهر وتضاريس المنطقة. ثانياً، تميزت نواعير حماة بحجمها الضخم وبنائها المتقن باستخدام خشب الجوز المتين، ما جعلها أطول عمراً وأكثر قدرة على تحمل العوامل الطبيعية.

إضافة إلى ذلك، كان لاستخدام النواعير في حماة دور اجتماعي وثقافي، إذ ارتبطت الحياة اليومية للسكان بها، مما أكسبها مكانة خاصة في وجدان المدينة. وهكذا، أصبحت النواعير رمزاً مميزاً لحماة، لتتفرد بها كمعلم سياحي وتراثي عالمي شهير.

نواعير حماة

تحديات الحفاظ على النواعير:

على الرغم من الأهمية التاريخية والثقافية التي تحملها نواعير حماة، تواجه هذه المعالم تحديات كبيرة تهدد استمرار وجودها. من أبرز هذه التحديات التغيرات البيئية، مثل انخفاض منسوب مياه نهر العاصي نتيجة الجفاف والتغيرات المناخية، مما يؤدي إلى تعطيل دوران النواعير وتقليل كفاءتها في نقل المياه.

إلى جانب ذلك، تواجه النواعير مشكلة الإهمال والصيانة غير الكافية، حيث إن الأخشاب المستخدمة في بنائها تحتاج إلى تجديد دوري لحمايتها من التآكل والتلف الناتج عن عوامل الطقس والرطوبة. كما أن التوسع العمراني والضغوط البشرية حول نهر العاصي يشكلان تهديداً إضافياً، حيث يمكن أن تؤثر التعديات على المناطق المحيطة بالنواعير على بيئتها الطبيعية.

ورغم الجهود المحلية المبذولة للحفاظ عليها، لا تزال هذه المحاولات تحتاج إلى دعم أكبر على المستوى الوطني والدولي، من خلال وضع خطط شاملة لصيانة النواعير وحمايتها كمعلم تراثي عالمي. إن استمرارية هذا الإرث تعتمد على تحقيق توازن بين التقدم الحضري والحفاظ على التراث التاريخي الفريد الذي تمثله النواعير.

للاطلاع على المزيد من المعالم التاريخية السورية، يمكنك زيارة مقالنا عن تدمر

نواعير حماة

ختاماً:

تُعد نواعير حماة رمزاً يجمع بين التاريخ والجمال والإبداع الإنساني، فهي قصة تُروى عن حضارة عريقة وتاريخ غني. زيارة حماة فرصة لا تُفوّت لاكتشاف هذا الإرث الفريد والاستمتاع بجمال مشهد النواعير وهي تدور برفق فوق مياه العاصي، حيث تلتقي الطبيعة بالهندسة في لوحة آسرة.

ندعو كل من يبحث عن تجربة ثقافية مميزة أن يزور مدينة حماة، حيث تنتظركم النواعير بحكاياتها وصوتها العريق الذي يأخذكم في رحلة عبر الزمن، لتعيشوا لحظات لا تُنسى وسط سحر هذه المدينة التاريخية.