تُعتبر الحلويات السورية، وخاصة الدمشقية منها، واحدة من أجمل مظاهر التراث السوري وألذها. منذ القرن التاسع عشر، اشتهرت مدينة دمشق بصناعة الحلويات التي تجمع بين الطعم الفاخر والجودة العالية، وقد تأسست بها محلات يعود عمرها إلى أكثر من 100 عام، حيث تفنن الحرفيون في إعدادها وطريقة عرضها. تمتاز هذه الحلويات بغناها بالمكسرات الفاخرة مثل الفستق الحلبي واللوز والجوز والصنوبر، إضافة إلى السمن البلدي الذي يمنحها نكهة فريدة لا تُقاوم.
لا تقتصر الحلويات السورية على كونها طعاماً، بل تحمل في طياتها ذكريات وقصصاً من المناسبات والأعياد، حيث كانت علامةً للفرح والاحتفال. هذه الحلويات ليست فقط مذاقات مميزة، بل هي جزء لا يتجزأ من الثقافة السورية التي تعكس الفخامة والأصالة مع كل قطعة.
تاريخ الحلويات السورية:
تتميز الحلويات السورية بتاريخ عريق يعود إلى العصور القديمة، حيث كانت المكونات الأساسية تُستمد من البيئة المحلية، مثل التمر، العسل، والمكسرات، مما أعطاها طابعاً غنياً ومميزاً. في العهد الأموي، الذي شهد ازدهار دمشق كعاصمة للخلافة الإسلامية، تطورت الحلويات وبدأت تشكل جزءاً من الولائم الملكية، حيث تمزج النكهات الشرقية مع تقنيات الطبخ الفارسية والرومانية.
مع الوقت، أصبحت صناعة الحلويات مهنة مميزة تُورّث من جيل إلى جيل، خاصة في دمشق وحلب. في العهد العثماني، اكتسبت الحلويات السورية مثل البقلاوة شهرة واسعة وانتقلت إلى مناطق أخرى، لكنها احتفظت بلمستها السورية المميزة التي تعتمد على السمن البلدي والفستق الحلبي.
تاريخياً، كانت الحلويات السورية مرتبطة بالمناسبات السعيدة، كالزواج والأعياد، وكانت كل مدينة تضيف طابعها الخاص. على سبيل المثال، تُشتهر حلب بحلويات المبرومة والمدلوقة، بينما تُعرف دمشق بالكنافة والعوامة. هذا التنوع جعل الحلويات السورية واحدة من بين 5 أسباب تدعوك لزيارة سوريا.
أشهر أنواع الحلويات السورية:
حلويات شهيرة بعجينة الفيلو أو الكنافة:
الكنافة بأنواعها: تُعتبر الكنافة من أشهر الحلويات السورية وأكثرها تميزاً. تتنوع بين الكنافة الخشنة التي تعتمد على عجينة سميكة ومقرمشة، والناعمة التي تُحضَّر من عجينة ناعمة. تُحشى بالقشطة الطازجة أو الجبن الحلو وتُزين بالفستق الحلبي. أما المدلوقة، فهي شكل آخر من الكنافة تُقدم بشكل مفتوح وتُزين بالقشطة والفستق، مما يجعلها أكثر بساطة لكنها لا تقل لذة.
البقلاوة وكول وشكور: هما حلويات شرقية تُصنع من عجينة الفيلو الرقيقة وتُحشى بالمكسرات مثل الفستق الحلبي أوالجوز، ثم تُغمر بالقطر. يتميزان بنفس المكونات والنكهات، لكنهما يختلفان في الشكل؛ حيث تُقدم البقلاوة كطبقات كبيرة ومزخرفة، بينما تأتي كول وشكور على شكل لفائف صغيرة بسيطة وخفيفة.
المبرومة بأنواعها: المبرومة هي لفائف طويلة من الكنافة المحشوة بالفستق الحلبي وتُعتبر من الأنواع الفاخرة، أما النوع الآخر المعروف باسم "المغشوشة"، فهو مبرومة بالقشطة، يتميز بمذاق غني وسعر أقل، مما يجعله خياراً شائعاً ومحبوباً.
الوربات بالفستق الحلبي والقشطة: تُصنع من طبقات عجينة رقيقة تُحشى إما بالفستق الحلبي أو القشطة. تُخبز حتى تأخذ لوناً ذهبياً وتُغمر بالقطر لتكتسب قواماً لذيذاً ومتماسكاً.
حلويات تقليدية ومميزة:
العوامة (لقمة القاضي): كرات صغيرة من العجين تُقلى حتى تصبح ذهبية اللون، ثم تُغطس في القطر لتكتسب مذاقاً حلواً ومقرمشاً. تُعتبر وجبة خفيفة ومحبوبة في الشتاء.
غزل البنات بالفستق أو القشطة: شكل مطور من غزل البنات التقليدي، يُحشى بالفستق الحلبي أو القشطة، مما يضفي عليه نكهة مميزة ولمسة فاخرة.
البرازق: تُصنع البرازق من عجينة بسيطة تعتمد على الطحين، السمن، والسكر، وتُزين بوفرة من السمسم وحبات الفستق الحلبي، مما يمنحها مذاقاً غنياً وملمساً مقرمشاً.
حلاوة الجبن: حلوى حلبية شهيرة تُصنع من عجينة الجبن المحشوة بالقشطة الطازجة، وتُزين بالفستق الحلبي. يتميز هذا النوع بمذاقه المالح والحلو في آن واحد، مما يجعله تجربة فريدة.
زنود الست: تتألف من عجينة رقيقة تُحشى بالقشطة الطازجة، ثم تُقلى لتصبح مقرمشة وتُغطى بالقطر. يتميز هذا النوع بملمسه الهش وطعمه الكريمي، ويُقدم عادة في المناسبات العائلية.
الشعيبيات: تُحضر من عجينة تُحشى بالقشطة أو المكسرات وتُخبز حتى تصبح مقرمشة. يُعد هذا النوع من الحلويات السورية المميزة بملمسها ونكهتها الغنية.
حلويات الأعياد والمناسبات
المعمول بأنواعه: يُعد المعمول جزءاً لا غنى عنه في الأعياد السورية، ويأتي بأنواع متعددة مثل المعمول بالجوز، بالفستق الحلبي. يُحضر من الدقيق، ويتميز بملمسه الناعم ومذاقه الحلو المميز.
الكعك: كعك العيد هو من الحلويات السورية التقليدية التي تُخبز في المنازل خلال المناسبات، خاصة الأعياد. يُصنع من عجينة غنية بالسمن والطحين، ويُشكل على هيئة دوائر صغيرة مزينة بالسمسم. يتميز بنكهته البسيطة وملمسه الهش، ويُقدم عادةً مع القهوة أو الشاي في تجمعات الأعياد.
الغريبة: تُعد الغريبة من الحلويات السورية الناعمة التي تُذوب في الفم، وتُصنع من مكونات بسيطة مثل الطحين والسكر والسمن، وغالباً ما تُزين بحبة لوز.
الكرابيج: حلوى تقليدية تشتهر بها حلب، تُصنع من عجينة السميد والسمن، محشوة بالجوز أو الفستق الحلبي مع القرفة أو التمر.
للاطلاع على مزيد من التفاصيل حول الأطباق الشهيرة في المطبخ السوري، يمكنكم قراءة مقالنا عن الطعام السوري وأشهى أطباقه.
ختاماً:
الحلويات السورية ليست مجرد أطباق حلوة تُقدم على المائدة، بل هي قصة تُجسد أصالة المطبخ السوري وتراثه العريق. من الكنافة الشهيرة إلى المعمول التقليدي، ومن البقلاوة الفاخرة إلى العوامة البسيطة، تحمل كل قطعة من هذه الحلويات نكهات فريدة وتاريخاً حافلاً بالتقاليد والحرفية.
اليوم، لا تزال الحلويات السورية تحتل مكانة مرموقة في قلوب عشاق الطعم الأصيل حول العالم، حيث تجمع بين المكونات الطبيعية والمذاق الفاخر. إنها ليست فقط طعاماً يُتناول، بل تجربة ثقافية تعكس دفء الضيافة السورية وعمق حضارتها.
دعوة مفتوحة لتذوق هذه الروائع التي تُحاكي الحواس، وتبقي على التراث السوري حياً في كل مناسبة.