post-thumb

08-03-2025

يُعتبر "مدفع رمضان" من أبرز التقاليد الرمضانية التي يرتبط بها المسلمون في العديد من الدول العربية والإسلامية، حيث يعتبر من الطقوس المميزة التي تثير الحنين للماضي وتظل حية في ذاكرة الكثيرين. في كل عام، ينتظر سكان المدن التي تعتمد على المدفع سماع صوته المميز الذي يعلن بدء الإفطار أو السحور. تعود هذه العادة إلى قرون مضت، لكن تأثيرها لا يزال حاضراً بقوة في مجتمعنا اليوم. 

فما هي قصة هذا المدفع؟ وكيف أصبح رمزاً لشهر رمضان المبارك في العديد من البلدان؟ في هذا المقال، سوف نغوص في تاريخ مدفع رمضان، ونتعرف على كيف أصبح جزءاً لا يتجزأ من التقاليد الرمضانية.

مدفع رمضان

متى بدأ استخدام مدفع رمضان؟

في القاهرة، العاصمة المصرية، انطلق تقليد مدفع رمضان لأول مرة. تعود بدايته إلى عام 865 هـ، عندما قرر السلطان المملوكي خشقدم اختبار مدفع جديد وصل إليه، وتصادف أن تم إطلاقه تماماً عند غروب الشمس في أول أيام رمضان. اعتقد الناس أن السلطان أراد تنبيه الصائمين إلى موعد الإفطار، فهرعوا إلى قصره معبرين عن امتنانهم لهذه الفكرة المبتكرة. وإذ لاحظ السلطان سعادتهم، قرر جعل إطلاق المدفع عادة يومية عند الإفطار، ثم أضاف مدفعي السحور والإمساك لاحقاً.

وهناك رواية أخرى تشير إلى أن استخدام المدفع جاء بالصدفة، حيث كان بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل ينظفون أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة في وقت أذان المغرب خلال أحد أيام رمضان. اعتقد الأهالي أن هذا تقليد جديد للإعلان عن الإفطار، وانتشرت الفكرة بينهم. وعندما علمت الأميرة فاطمة، ابنة الخديوي إسماعيل، بالأمر وأعجبتها الفكرة، أصدرت فرماناً يقضي باستخدام المدفع في رمضان عند الإفطار والإمساك، وكذلك في المناسبات الرسمية.

انتشرت هذه العادة بسرعة في العديد من المدن العربية والإسلامية، حيث تبنتها كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم انتقلت إلى باقي العالم الإسلامي مثل الشام والعراق. ومع مرور الوقت، أصبح المدفع جزءاً من الثقافة الرمضانية التي يترقبها المسلمون كل عام.

وفي العصر الحديث، تغيرت بعض الطرق في استخدام المدفع، حيث تم استبداله في بعض الأماكن بالوسائل الإلكترونية مثل الإذاعات والتطبيقات الرقمية، لكن مع ذلك، لا يزال مدفع رمضان يحتفظ بجاذبيته الرمزية في العديد من المدن الإسلامية، ويظل إعلاناً شهيراً بقدوم لحظة الإفطار في شهر رمضان.

مدفع رمضان

طريقة عمل مدفع رمضان:

مدفع رمضان يعتمد في عمله على آلية إطلاق قذائف نارية في وقت محدد خلال شهر رمضان، وذلك لإعلام الناس بمواعيد الإفطار أو السحور. عادةً ما يتم وضع المدفع في مكان مرتفع بحيث يكون الصوت مسموعاً في مناطق واسعة. في الماضي، كان المدفع يُشغل يدوياً بواسطة فرق مختصة كانت تجهز المدفع وتطلقه في الوقت المطلوب.

اليوم، قد يتم تشغيل المدفع باستخدام تقنيات حديثة، حيث يمكن استخدام أجهزة للتحكم عن بُعد أو أنظمة آلية لضبط توقيت الإطلاق. يتم ضبط توقيت المدفع بشكل دقيق ليواكب غروب الشمس، وذلك بناءً على تقاويم خاصة بشهر رمضان، حيث يتم إطلاق المدفع في اللحظة التي يُفترض فيها أن يبدأ وقت الإفطار. من الممكن أيضاً أن يتم استخدام مدافع ذات عيار ثقيل لإطلاق صوت مدوٍ يُسمع من مسافات بعيدة، وعندما يسمعها الناس، يبدأون بالتجمع حول مائدة الإفطار التركية في رمضان، حيث يسود الجو من الروحانية والترابط الاجتماعي.

مدفع رمضان

مدفع رمضان في العالم الإسلامي:

يظل المدفع الرمضاني يظل أحد الطقوس الرمضانية المميزة في العديد من الدول العربية والإسلامية بالرغم من التقدم التكنولوجي في وسائل الإعلان، حيث لا يزال المدفع يحتفظ بجاذبيته الرمزية في بعض المدن الكبرى حول العالم.

في مصر مثلاً لا يزال مدفع رمضان أحد أبرز المعالم في القاهرة، حيث يُطلق من أماكن تاريخية مشهورة مثل برج القاهرة. ويمثل المدفع في مصر إعلاناً رسمياً لبداية الإفطار في شهر رمضان. وفي المملكة العربية السعودية، يتم إطلاق المدفع من المسجد الحرام في مكة المكرمة، وكذلك في المسجد النبوي في المدينة المنورة. وفي فلسطين، يعد المدفع في غزة رمزاً مهماً يتم إطلاقه من أماكن بارزة كمسجد الكتيبة، وهو يساهم في خلق أجواء خاصة ومميزة في رمضان.

مدفع رمضان

مدفع رمضان في تركيا: تقاليد عريقة وأجواء روحانية

في تركيا، يُعد مدفع رمضان جزءاً لا يتجزأ من الطقوس الرمضانية التقليدية التي يتمسك بها الشعب التركي خاصة في إسطنبول حيث يُطلق المدفع الرمضاني من مواقع تاريخية مشهورة، مثل تلة تشاميلجا  وبرج غالاتا وقلعة يديكوله، والتي تتيح إطلاق صوت المدفع ليصل إلى مسافات بعيدة.

في مناطق أخرى من تركيا، مثل أنقرة وبورصة، يتم إطلاق المدفع من المساجد الكبرى والمناطق التاريخية، ولا يزال المدفع يحظى بشعبية كبيرة ويُعتبر جزءاً أساسياً من الطقوس الرمضانية التي تجلب الفرح والتوحد بين أفراد المجتمع.

المدفع الرمضاني في تركيا لا يقتصر فقط على الإعلام بموعد الإفطار، بل يعد حدثاً اجتماعياً يترقبه الجميع. ففي بعض الأحيان، يتم تنظيم فعاليات خاصة حول المدفع حيث يحضر الناس للاستماع إليه مع العائلة والأصدقاء، مما يساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية في الشهر الفضيل.

مدفع رمضان

لاطلاع على المزيد من المقالات حول رمضان في تركيا، يمكنك زيارة المقال التالي: المسحراتي

ختاماً:

يظل مدفع رمضان أكثر من مجرد إعلان لبداية الإفطار؛ فهو رمز ثقافي حيوي يعبر عن ارتباط الأجيال بالماضي ويظل جزءاً لا يتجزأ من هوية المجتمعات الإسلامية. في عالم يتسارع فيه التغيير وتزداد فيه وسائل التواصل الحديثة، تبقى هذه التقاليد الرمضانية متجددة، تواصل إحياء الذكريات وروحانية شهر رمضان في قلوب الجميع. من برج غالاتا في إسطنبول إلى المساجد الكبرى في مكة والقاهرة، يظل المدفع شاهداً على التراث الغني الذي يجمع الناس في لحظات من الفرح والترقب. وفي المستقبل، سواء استمرت هذه العادة أو تطورت بطرق جديدة، سيظل مدفع رمضان حاملاً معاني عميقة تُمثل وحدة الأمة وتجدد فيها روح رمضان كل عام.